آراء ومقالات

"تنميةٌ" ضدَّ التّنمية

  • 2024-03-30

لايشفعُ الإسهابُ في الحديثِ عن الخططِ والسيناريوهاتِ البديلةِ في صناعةِ الإنجازِ على الأرض، ولا في الانتصارِ إن كان في الأمرِ مواجهةٌ من أي شكلٍ.. وقد عوّدتنا التجاربُ في هذا العالم -في الاقتصادِ على الأقلّ- أن الأقوالَ السابقةَ استعراضٌ واللاحقة يقينٌ، وكم هو شاسعٌ الفرقُ بين الحالتين، بعيداً عن متعة السردِ وغوايتها التي أوقعت بالكثيرين، فعالمُ الاقتصاد والتنميةِ بعمومها لم يكن يوماً مضماراً لسباقاتِ البلاغة واستعراضاتِ «المفوّهين»، بل أرقامٌ ومؤشراتٌ تحكي عن وقائعَ وحقائقَ على الأرض.

عندما كان مهاتير محمد يتحدثُ عن نهضة ماليزيا، أو يتحدثُ «لي كوان يو» عن الولادةِ الجديدةِ لسنغافورة، وغيرهما من أصحاب التجاربِ الشهيرة، تحدثوا عن إنجازاتٍ لا نيّات وبرامجَ مستقبلية فكانت تجاربهم دروساً في الواقع.. رغم أن الرجلين وأمثالهما استأثروا بشرف الإنجاز كلٌ في بلده، ولم نسمع أن أحداً منهم تطرّق إلى شخصيات كفوءة لامعةٍ في حكوماتهم أو فرق تنفيذية احترافية أتقنت عملها وصنعت نجاحاتهم، وربما هذا مأخذٌ طالما كان مثيراً للتساؤل عن حقيقة وجود شخص في هذا العالم من طراز «ون مان شو».. لكن هذا ليس محورَ حديثنا اليوم على كل حال.

لاعلينا.. فما نرمي إليه هو تأكيد أن العبرة في الأفعال لا في الأقوال، وأكثر من ذلك ثمة من يرون – وهم على حقّ، أن الاقتصاد كما الحرب.. لايجوز البوح بسيناريوهاته وخططه لأن التحفّظ عليها جزءٌ بالغ الحساسية من مقدمات صناعة الانتصار إن كانت حرباً، والنجاح إن كان في الأمر اقتصاد.

في المشهد الاقتصادي السوري اليوم، بتعقيداته وتحدياته التي أنتجتها السنواتُ العجافُ مايتطلب تغيير «تكتيك المواجهة» مع الاستحقاقات الصعبة، والمتغير المفترض أنه رقم واحد هو العمل المنظم والمتناغم بصمت، بدلاً من التصريح الاستباقي – صراخاً – الذي نشهده في كل قطاع، وما يعتري ذلك من تناقضٍ وتنازعِ رؤى وأرقام، وإفصاحٍ مجانيّ عن استراتيجيات دولةٍ لايجوز أن تكون مادّة لتسجيل الحضور واستعراض المهارات الفردية في وزارة أو مؤسسة.

لسنا في واردِ تناولِ وزارة بعينها بعد كل ماسقناه، لكن ثمة وقائعُ تدفع بنفسها كأمثلة لتؤكد أن أكثر وزاراتنا ومؤسساتنا إسهاباً في «التنظير» أقلها فعلاً حقيقياً على الأرض، وأوضاع القطاع المعنية به تتدهور وتتقهقر على الرغم من حساسيته في بنية المنظومة الإنتاجية المحلية.

فلا يجوز أن يكون الكلام الاستباقي «أدسم» إنجاز يحققه بعض المؤتمنين على مفاصل تنفيذية، فقط يحق لهم الحديث عن نتائج عندما يكون لديهم نتائج لا مجرد مقدمات، ونقول يحق لأن ثمة مايمنع في أدبيات مطلق دولة وحتى حكومة.

وقد يكون من المُلحّ أن نسارع ونصوغ برتوكولاً تنفيذياً شفهياً أو مكتوباً، يسائل على التصريحات غير المسؤولة وعلى التغني بخطط تشبه تهويمات ماقبل النوم، والأهم المحاسبة على تقارير الإنجاز المضلِّلة ورشقِ الأرقام الوهميّة في كل الاتجاهات، وهذه الأخيرة بالغة الخطورة بدوافعها وبمؤداها.

الواقع أننا بتنا نتقبل أن يجيّر بعضنا أمطار التيارات الموسمية لمشروع الاستمطار ولو أنه متوقف حالياً، أو ينسب تحسّن وثوقية الكهرباء إلى كفاءة الإنتاج لا اعتدال الطقس وتراجع الاستهلاك.. المهم أن نتحدث عن نتائج، فالتنمية لاتتحقق بالنيات بل بالأفعال.

ناظم عيد - رئيس تحرير صحيفة تشرين

مشاركة :
طباعة

أُترك تعليقك