الحصول على رغيف خبز جيد، لا يزال السعي اليومي الذي يتصدّر أولويات أهالي محافظة اللاذقية، وخاصة بعد توطين البطاقة الذكية لدى المعتمدين والأكشاك التابعة لفرع المخابز، وما ينتج عنها من الحصول على ربطة خبز لا تخلو من جملة شكاوى لدى الأهالي.
وما بين سعي الجهات المعنية والمواطنين، على حد سواء، للحصول على رغيف خبز جيد بالمواصفات المشتهاة، يبقى الهدر الذي يطول الخبز يرخي بثقله على السعي الذي يبقى منقوصاً، حيث لايزال الخبز يجد طريقه إلى الباعة الجوالين وغيرهم من أقارب وجيران، ليستقر أخيراً كعلف للحيوانات على الرغم من التكلفة العالية لإنتاج رغيف الخبز.
بطاقات بالجملة
مريم ربة منزل وأم لثلاثة أطفال، كل صباح تقصد كشك الخبز الموجود في حي ضاحية الأسد بمدينة جبلة، للحصول على مخصصات عائلتها اليومية، لكن المعاناة اليومية على حد تعبيرها يكون في الوقوف ساعة وأحياناً أكثر للظفر “بخبزاتها”، فرغم أنها تخرج مع أولادها من المنزل حسب دوام المدارس، إلا أنها تتفاجأ بالكثيرين قد سبقوها وحجزوا أماكنهم أمام الكشك الذي يصله الخبز من مخبز جبلة الآلي الساعة السابعة صباحاً.
وأضافت: أحياناً لا أستطيع الحصول على الخبز من الدفعة الأولى التي تصل إلى الكشك، وأضطر للوقوف طويلاً في انتظار وصول الدفعة الثانية، وذلك لأن الكثيرين يشترون الخبز لهم ولأقاربهم وجيرانهم بموجب مجموعة بطاقات يحملونها، مبينة أن نوعية رغيف الخبز تكون أفضل في الدفعة الثانية، ومؤكدة أنه في بعض الأيام يكون الخبز “معجن”، وأحياناً له رائحة حموضة.
من جانبها، بيّنت أم سامي، التي وطّنت بطاقتها عند المعتمد، أنها لا تأخذ مخصصات عائلتها بشكل يومي، لأنها تأكل هي وزوجها الخبز الأسمر، فيما طفلاها يأكلون الخبز الأبيض، الأمر الذي يجعلها ليست بحاجة لقصد المعتمد يومياً.
وفي اتفاق يضمن لها عدم الانتظار عند المعتمد واستقبالها بترحيب على عكس بقية الزبائن، بيّنت أم سامي أن المعتمد قد طلب منها أن “يقطع” لها البطاقة يومياً وإذا لم تكن بحاجة الربطتين، فإنه يبيعهما لمن هو بحاجة، وذلك مقابل ألا يجعلها تنتظر عندما تقصده لأخذ مخصصاتها، مضيفة: رغم ذلك عندما أشتري الخبز أجد أن وزن الربطة ناقص، وفي بعض الأحيان يكون الخبز معجناً أو أن هناك رغيفاً أو أكثر “بايتين” موجودين ضمن الربطة.
علف للحيوانات
من جهته، أشار إبراهيم، الذي يشتري الخبز من معتمد في حي الشيخ ضاهر بمدينة اللاذقية، إلى أنه يدأب على أخذ مخصصاته من الخبز، ويقوم بتجميع الباقي وبيعه كخبز يابس، موضحاً أن الكيلو يباع بـ1300 ليرة، وهو بحصة تسند جرة خاصة إذا تم تجميع كمية جيدة، مضيفاً: الخبز ليس جيداً في جميع الأيام على الرغم من أنني وطّنت بطاقتي لدى معتمد يشتري الخبز من مخبز خاص، فأحياناً يكون للخبز رائحة حموضة، وأحياناً يكون 5 “خبزات” نوعيتهم جيدة والباقي “بايت”.
بطاقات المسافرين تدعم الفساد وتجعل الخبز علفاً للحيوانات
وأشار إبراهيم إلى أنه ليس هو الوحيد الذي يبيع الخبز الفائض لديه، وإنما كثيرون من يفعلون ذلك، خاصة من يستفيد من بطاقات أولاده أو أقاربه المسافرين خارج البلد، وحتى الموجودين داخله لكنهم لا يريدون أخذ مخصصاتهم لأسباب معينة، حيث يبيع المعتمد ربطة الخبز “14 رغيفاً” بسعر يتراوح بين 4000- 5000 ليرة، بالطريقة التي تؤمّن ربحاً جيداً للزبون والمعتمد.
فيما لفتت ماجدة إلى أنها ترسل الفائض من الخبز لديها إلى أهلها في القرية، الذين يقومون بإطعامه للحيوانات الموجودة لديهم، مضيفة: الخبز لا يصلح للف السندويش للأولاد، فما أن يحين موعد “فرصة المدرسة” حتى يجد الطفل الرغيف قد تفتت، لذلك نضطر لشراء خبز الصمّون أو السياحي وتخصيصه لسندويش المدرسة.
تبريد الرغيف
من جهته، أكد مدير مخابز اللاذقية سومر مخلوف لـ”تشرين” أنه يتم بيع الخبز عبر البطاقات التي تم توطينها في المخابز الآلية والاحتياطية من خلال الأكشاك التابعة للمخابز وصالات السورية للتجارة، حيث يتم نقل ربطات الخبز داخل صناديق كبيرة عبر سيارات “المخابز” إلى الأكشاك التي تستمر بالبيع من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الرابعة عصراً.
مخلوف: إجراءات مشددة على المعتمدين.. وكل حامل بطاقة إلكترونية يحصل على مخصصاتها
وحسب مخلوف، في حال كان عدد البطاقات الموطّنة لدى بعض الأكشاك كبيراً، فإنه يتم إرسال الخبز على دفعات، وفيما يتعلق بالمعتمدين فإنهم يستلمون الخبز من الفرن مباشرة، ويجب أن يكون معهم صناديق مخصصة لنقل الخبز، وإذا كان أحد المعتمدين لديه كمية بطاقات موطنة كبيرة فإنه يحصل على الخبز على دفعات حتى لا يكدّس ربطات الخبز فوق بعضها، ما يؤدي إلى تعجّن الخبز وانخفاض جودة الرغيف.
وإذ أكد مخلوف وجود هدر في الخبز، فإنه أشار إلى أشخاص يشترون الخبز بموجب بطاقات غيرهم من الأقارب مسافرين خارج البلاد، وأضاف: لا نستطيع التأكد إذا كان حامل البطاقة هو الشخص نفسه صاحب البطاقة أم لا، وكل بطاقة موطنة في أي كشك أو صالة للسورية تحصل على مخصصاتها.
وبيّن مخلوف أنه رغم تكاليف الإنتاج فإن الشغل الشاغل للمخابز هو الوصول إلى رغيف خبز جيد بمواصفات عالية، مشيراً إلى أهمية تبريد الرغيف، حيث يبلغ طول خطوط التبريد في المخابز، كحد أدنى، 60 متراً، وعدم تكديس الخبز فوق بعضه، بالإضافة لنوعية الخميرة الجيدة التي تخضع للتحليل في المخابر للتأكد من فعاليتها وصلاحيتها قبل استخدامها في العجن.
علي: تشديد الرقابة التموينية.. وضمان وصول الخبز لمستحقيه فقط
ضبط وصول الرغيف لمستحقيه
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي أوس علي لـ”تشرين” أنه على الرغم من حصر بيع الخبز للمواطنين بموجب البطاقة “الذكية”، إلا أن الرغيف لا يزال يتعرض للهدر كعلف للحيوانات من خلال وصوله إلى غير مستحقيه، من الذين أخذوا بطاقات أولادهم وأقاربهم المسافرين خارج البلاد، مضيفاً: عند المعتمد وفي المخابز والأكشاك، نرى صبية ورجالاً ونساءً يحمل بعضهم أكثر من بطاقة ويشترون الخبز بموجبها، بحجة أنها لأقارب غير قادرين على المجيء لشراء الخبز.
واقترح علي أنه يجب حصر البيع للشخص ببطاقة واحدة فقط، حتى لا يجد طريقاً له كعلف للحيوانات، مع العلم أن تكلفة إنتاج الربطة مرتفعة تصل إلى 7800 ليرة حسب ما أكدت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مؤخراً، بالإضافة لتشديد الرقابة التموينية على عمل المخابز من خلال مراقبة كميات الدقيق المسلّمة للمخبز وتوافقها مع كميات الخبز المنتجة، للحيلولة دون أي تلاعب أو هدر.
المصدر: صحيفة تشرين