اعتاد كيان الاحتلال الإسرائيلي في كل مرة يرتكب فيها جريمة ضد الشعب الفلسطيني، أن يسوق الأكاذيب التي يراها مناسبة، وتفصل على مقاس الدم والخراب الذي يخلفه، مستخدماً كل وسائل التضليل والافتراء والكذب، لإقناع الرأي العام الغربي بوجهة نظره، وإخفاء سوء فعلته.

لكن العدوان على غزة هذه المرة، لا يشبهه أي عدوان، لا إسرائيلي وأمريكي لا غيره عبر التاريخ، حتى بوش الابن وهولاكو والمجرم عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية لم تصل حروبهم الدموية إلى فظاعة الطغمة الحاكمة في "تل أبيب" رغم ما ارتكبه هؤلاء المجرمين من مجازر بحق الشعوب على مر التاريخ وصولاً إلى غزو العراق.

في بداية الأمر استخدم الفلسطينيون تصوير الحقائق على الأرض، وتناقلوها على وسائل التواصل الاجتماعي، للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الشعوب المغيبة عما يجري في فلسطين، والتي باتت كل غرسة فيها تروى بدماء أبنائها لتينع وتثمر مقاومة في وجه محتل غاصب.

كان لوقع السابع مع تشرين الأول، ودخول المقاومة الفلسطينية إلى ثكنات ومستوطنات الاحتلال وقع الصدمة في أرجاء الأرض، واختلفت الرؤى حولها منها المستنكر ومنها المؤيد، لكن المهمة الأساسية لهذا الهجوم المظفر هو أنها أيقظت العالم أن هناك احتلالاً لا يزال جاثماً على شعب بأكمله، وهناك قضية فلسطينية حية لا تموت، لا سيما بعد أن أوشك قطار التطبيع أن يقف في الرياض وما تعنية المملكة العربية السعودية من ثقل إقليمي ودولي وإسلامي.

عملية "طوفان الأقصى"، كانت عنواناً بارزاً لجميع وسائل الإعلام العالمية، وحدثاً صاعقاً بالفعل، والذي أثار العجب هو كيف يمكن لمجموعة صغيرة من المقاومين اختراق أحدث ما توصلت له التكنولوجيا العالمية في المراقبة والتنبيه والرصد بل والقتل.

ولعبت الفيديوهات التي بثتها المقاومة من داخل الأنفاق، وفيها الأسرى الإسرائيليون، وسيلة انتشار ومصداقية في نفس الوقت للرواية الفلسطينية في الأحداث لأنها حقيقية من جهة، وتوصل رسائل إلى داخل المجتمع الإسرائيلي أن العدوان هو جهد مفقود لإعادة الأسرى وأن القتل اليومي للفلسطينيين هو جريمة بلا جدوى بل توصل قادة الكيان إلى لاهاي وتكشف حقيقة الكيان القاتل.

وبعد العدوان وشلالات الدماء ظهر حدث آخر أوجع الغرب، وهو دخول حركة "أنصار الله" الحوثيين في اليمن على خط المواجهة والدفاع عن القضية الفلسطينية، فكان لها الأثر الكبير اقتصادياً، وبالتالي إعلامياً، وساهمت في تعريف شعوب العالم أن هناك شعباً مظلوماً اسمه الشعب الفلسطيني يجب أن ننصره، فكانت صواريخ صنعاء أمضى من كونها صواريخ تنفجر في سفينة إسرائيلية أو متجهة إلى "إسرائيل" تحمل الدعم اللوجستي، وربما العسكري لآلة القتل الصهيونية، بل أيقظت الشعوب ولفتت الانتباه إلى المشكلة الحقيقية في فلسطين.

ورغم بساطة وسائل الإعلام اليمنية إلا أنها وصلت إلى أنحاء العالم حتى في واشنطن ظهرت لافتات تؤيد الحوثيين في وقوفهم إلى جانب الحق، حيث عمدت الحركة على بث بياناتها باللغة الإنكليزية لزيادة رواجها عالمياً، وتصوير السفن الغارقة أو المستولى عليها، ما أثار الرعب من جهة وشعور التضامن من جهة أخرى.

وباتت المخاوف الغربية تأخذ منحى آخر جراء دخول حركة أنصار الله على خط المواجهة وهي تتمحور حول أن تلك هجمات باتت موضع فخر واستلهام لدى كثير من الشعوب الحيّة والحرّة، ويمكن أن تؤدي إلى نسخ التجربة في أماكن أخرى باعتبار ذلك مدخلاً إلى العالمية.

 الإعلامي جمال ظريفة