يشي تصويت مجلس الأمن على الاعتراف الكامل بعضوية فلسطين في الأمم المتحدة بالحاجة الماسة لإقامة الدولة الفلسطينية مكتملة الأركان كشرط أساسي لا بد منه لإنهاء الصراع لكنه غير كاف دون الوصول إلى الحقوق الفلسطينية العادلة كافة.

ومن شأن إقامة دولة فلسطينية في ظل العدوان الصهيوني على قطاع غزة وقتله الشعب الفلسطيني دون أي حسيب، سيغير القواعد القانونية للاعتداءات الإسرائيلية ويخفف وطأة العدوان والاستيطان عن الضفة الغربية.

لكن ما يعرفه الدعاة أن "إسرائيل" إلى يومنا هذا لم تحدد حدودها بشكل واضح ورسمي لأن مخططاتها هي ابتلاع كل فلسطين وأجزاء من مصر وسورية الجغرافية وما هو التمدد السرطاني للمستوطنات إلا ضمن الرؤية الصهيونية لاحتلال كامل الضفة الغربية والتي يسمونها في أدبياتهم "يهودا والسامرة" غرب نهر الأردن.

وليس غريبا على بريطانيا ما فعلته في فلسطين حيث أعطت وعدا سمي بوعد بلفوز المشؤوم والذي هو عبارة عن إعلان بلفور لان الوعد يتضمن إعطاء ما يملك الشخص وهو لم يكن كذلك ولم يكن المستعمر البريطاني قد دخل إلى فلسطين بعد والذي تحقق في كانون الأول 1917، حيث دخلت القوات البريطانية مدينة القدس وأعلنت نهاية الاستعمار العثماني عليها والذي استمر أربعة قرون.

هنا كانت ساعة الصفر بالنسبة للصهاينة بتأسيس "وطن قومي" لهم في فلسطين من هنا بدأت الجغرافيا الفلسطينية تتغير بإقامة مستوطنات في مناطق استراتيجية على شكل مجتمعات مغلقة "غيتو"، لتشمل أوسع مساحة جغرافية ممكنة، وتوسعت أملاك اليهود في منطقة القدس وبئر السبع والنقب الشمالي ومنطقة غزة، إلى أن تمكنوا خلال الفترة ما بين 1939 و1948 من تأسيس 79 مستوطنة على مساحة تجاوزت ملياري متر مربع.

ومنذ إنشاء الكيان المؤقت عام 1948 لم يعلن حدوده الرسمية بالكامل. لم يمتلك اليهود في فلسطين حتى عام 1918 سوى ما نسبته 1.56 في المئة فقط من إجمالي أرض فلسطين، وما إن صدر قرار التقسيم، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947 الذي نص على إنهاء الانتداب البريطاني، وتقسيمها إلى" دولتين"، منح اليهود الذين لم يتجاوز عددهم ثلث السكان ولم يمتلكوا سوى سبعة في المئة من الأراضي آنذاك، ما يربو على 56 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة 27 ألف كيلومتر مربع.

وشملت المنطقة المخصصة لليهود السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي، بما فيها بحيرة طبريا، وإصبع الجليل، وصحراء النقب، بمساحة 14.1 ألف كيلومتر مربعاً وسكان عددهم 498 ألف يهودي و497 ألف عربي.

فيما خصص للدولة العربية 11.1 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل 43 في المئة فقط من أراضي فلسطين وضمت الضفة الغربية ومنطقة الجليل الغربي وعكا والساحل الجنوبي من شمال " أسدود" حتى رفح جنوباً، إضافة إلى جزء من الصحراء المحاذية لمصر، في حين نص القرار على أن تصبح القدس وبيت لحم مدناً تحت إدارة دولية، تقوم على إدارته الأمم المتحدة، وخصص للمدينة وضواحيها التي كان يسكنها 205 آلاف شخص، ومنهم 100 ألف يهودي 117 كيلومتراً مربعاً.

وفي طبيعة الحال رفض العرب قرار التقسيم المتحيز وشكلوا "جيش الإنقاذ"، لطرد الجماعات اليهودية من فلسطين، ومع عشية انتهاء الانتداب البريطاني في الـ14 من أيار 1948، وإعلان القيادة اليهودية إنشاء "إسرائيل"، وارتكاب المنظمات اليهودية مثل الهاغانا والبلماخ والأرغون والشتيرن المجازر في حق الفلسطينيين وتهجيرهم ومصادرة أراضيهم وبيوتهم وممتلكاتهم، وهو ما يعرف بيوم النكبة، دخل حلف من أربعة جيوش عربية (مصر وسورية والعراق والأردن) في حرب مع الاحتلال الإسرائيلي عرفت بحرب "تحرير فلسطين"، انتهت بضم "إسرائيل" كامل النقب والجليل وشمال فلسطين، واستحوذت على مساحات كبيرة من الأراضي، مع سيطرة كاملة على الساحل الفلسطيني باستثناء غزة التي دخلت تحت السيطرة المصرية، في حين أصبحت القدس الشرقية والضفة الغربية تحت السيطرة الأردنية.

ووفقاً لتقرير مركز حقوق السكن والتهجير بالاشتراك مع مركز البديل الفلسطيني، سيطر كيان الاحتلال ابتداء من عام 1949 على ما يقارب من 20 ألف كيلومتر مربع من أراضي فلسطين الكلية التي كان الفلسطينيون يملكون 90 في المئة منها إما بشكل فردي أو جماعي.

كما منعت من خلال قانون "منع التسلل" الذي شرعته عام 1954، مهجري الداخل الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم وممتلكاتهم، الذين كانوا يطردون منها، في حال ضبطهم "متسللين" مثلما جاء في نص التقرير.

ومع تجاهل الكيان المؤقت خطة التقسيم واجتياحها مدينة القدس 1948 وسيطرتها على 84 في المئة من مساحة المدينة، رحل أو طرد نحو 20 ألف مسلم ومسيحي مقيمين في القدس الغربية من منازلهم من دون عودة، وأصبح 4.5 في المئة المتبقية من حدود القدس لعام 1948 "منطقة حرام" أي عازلة.

في الخامس من حزيران عام 1967 وبعد أقل من عقدين على نشأته، دخل الكيان في حرب احتلال جديدة احتل فيها القدس الشرقية والضفة الغربية فضلاً عن معظم مرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية، واستولى بذلك على 69347 كيلومتراً مربعاً من مساحة الأراضي العربية، التي شكلت أكثر من ثلاثة أضعاف الأراضي التي سيطر عليها في حرب عام 1948، محققا بذلك نتائج مهمة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، فعند الجبهة الأردنية، سيطرت "إسرائيل" على كامل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وبسطت نفوذها على مساحة 5878 كيلومتراً مربعاً وقلصت حدودها مع الأردن من 650 كيلومتراً إلى 480 كلم.

أما على الجبهة السورية فاحتلت " إسرائيل" على 1158 كيلومتراً مربعاً من إجمالي مساحة الجولان البالغة 1860 كيلومتراً مربعاً، وهو ما أجبر قرابة 100 ألف من أهالي الجولان على النزوح من ديارهم إلى داخل سورية، ومكنها استيلاؤها على شبه جزيرة سيناء وسيطرتها على 61948 كيلومتراً مربعاً من تحسين وضعها الاستراتيجي وقدرتها على المناورة العسكرية، بخاصة أن مرتفعات الجولان ونهر الأردن وقناة السويس تملك موانع جغرافية طبيعية.

ويستمر الكيان الغاصب باحتلال الأرض والخلاف معه ليس خلاف حدود بل خلاف وجود لأن شذاذ الآفاق الذي قدموا إلى فلسطين هم أشخاص لهم جنسيات مختلفة ولهم أوطان وقدموا لينشئوا وطنا بديلا لهم ويهجروا الفلسطينيين من وطنهم الأصلي ويعيشون في الشتات في حين هؤلاء القتلة المأجورين احتلوا بيوتهم وسكنوا فيها.

وفي قراءة مبسطة للتاريخ فإن إي احتلال لا بد أن يزول وها هو الاحتلال العثماني قد ولى الأدبار بعد 400 سنة من الاستعمار والاستعباد.

جمال ظريفة