تبهرنا في كل يوم دولة ماليزيا التي صنعت لها مكاناً مرموقاً بين الدول في التقدم والتطور وفي المواقف أيضاً، فهي التي تقع على بعد آلاف الأميال من فلسطين ومسجدها الأقصى وهي التي لايشكل كيان الاحتلال الإسرائيلي مصدر خطر مباشر على أمنها وسيادتها، لكنها تذكرنا بعجزنا نحن العرب بمواقفها الأخلاقية المشرفة التي تتخذها كلما استدعى الأمر ذلك.

فالموقف الذي اتخذته مؤخراً برفض دخول لاعبين "إسرائيليين" أراضيها للمشاركة في بطولة الإسكواش العالمية التي تقام كانون الأول الجاري، يحسب لها رغم أنها ليست المرة الأولى التي تتخذ حكومة كوالالمبور الموقف ذاته في بطولات دولية سابقة استضافتها الدولة الأسيوية، حتى لو أدى ذلك إلى إلغاء إقامة البطولة الدولية على أراضيها.

يأتي الموقف الماليزي في وقت تتسابق فيه بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع كيان احتل أرض فلسطين العربية وشرد شعبها ويواصل عدوانه على سورية وعلى لبنان وعلى الفلسطينيين وسيستمر بذلك طالما هناك من العرب من يهادنه ويطبّع معه ويمنحه ميزات تفضيلية على العديد من الدول العربية الشقيقة ويقيم معه الأحلاف الأمنية والعسكرية ضد الأشقاء!!

ماذا لو يتخذ العرب الموقف الماليزي ويقاطعون العدو الإسرائيلي ويتوقفون عن التطبيع ويرفضون المشاركة في البطولات التي تشارك فيها فرق رياضية من كيان الاحتلال؟  فهل لا تقوى الأنظمة العربية المطبعة على اتخاذ الموقف ذاته أم لا تريد؟ ألا تستطيع التوقف عن التطبيع مثلاً؟ ويمكن طرح السؤال من زاوية أخرى.. لماذا تستطيع بعض الدول العربية اتخاذ مواقف مقاطعة للدول العربية الأخرى والمشاركة في حروب ضدها ولا تستطيع فعل الشيء ذاته مع كيان الاحتلال؟ هل بسبب ارتباطات بعض الأنظمة مع القوى الغربية وارتهانها لها وعدم امتلاكها سيادتها؟ سؤال أعتقد أنه لا يحتاج إلى إجابة!!،

لقد شاهدنا بعض اللاعبين العرب أكثر قدرة من الأنظمة على اتخاذ الموقف الأخلاقي والوطني والقومي، عندما انسحبوا من منافسات دولية رفضاً لملاقاة لاعب من كيان الاحتلال الإسرائيلي ورفضاَ لأي شكل من التطبيع حتى لو كان على شكل مباراة رياضية في بطولة دولية، كرمى لعيون فلسطين ولعيون الشعب الفلسطيني المظلوم، وقد توجوا أبطالاً بنظر الشعب العربي وإن خسروا مبارياتهم.

نعلم جيداً حجم الاختراق الذي حققه كيان الاحتلال الإسرائيلي في المنظمات الدولية بدعم غربي فاضح وعلى رأسها المؤسسات الرياضية تحت عناوين زائفة بضرورة فصل الرياضة عن السياسة وغير ذلك من العناوين التي لا تطبق إلا لمصلحة الكيان المحتل، لكن على الدول العربية ألا تكون جزءاً من جسر التطبيع والاختراق الذي يمارسه كيان الاحتلال للمنظمات الدولية والرياضية، وأن ترتقي الأنظمة إلى مواقف بعض الرياضيين العرب وأن تقتدي بالموقف الماليزي.

صحيح أن الاتحاد الدولي للعبة ألغى البطولة من ماليزيا، ولكنها ربحت تقدير شعبها والشعوب العربية المحبة للسلام، وكنا نتمنى أن يكون موقف العرب رائداً في المقاطعة لكيان الاحتلال وليس مهرولاً للتطبيع والتخلي عن الحقوق لكيان مجرم تعلم جرائمه شعوب العالم على بعد آلاف الأميال. وفي كل موقف مماثل لا نستطيع إلا أن نقول: لقد خسر العرب بالتطبيع وربحت ماليزيا بالمقاطعة.. فتحية لها ولشعبها وبئساً لمن لا يقتدي بها.