أن تكون صهيونياً يعني أن تؤمن بإسرائيل كدولة وبالشعب اليهودي بأنهم شعب الله المختار، وكي تنجح في الغرب والشرق عليك أن تمتلك هذا الإيمان وتعبّر عنه عملياً لا نظرياً، لماذا وهم شعب وديانة ممتزجان ببعضهما، التقديرات تشير إلى أن عددهم لا يتجاوز الستة ملايين ونيف في الولايات المتحدة الامريكية وستة ملايين ونيف ايضاً في فلسطين المحتلة “إسرائيل” وثلاثة ملايين إلى أربعة ملايين منتشرون في العالم، وهناك من يقول بأنهم ثلاثون مليوناً، بعد ان ضموا إليهم يهود الفلاشة في اثيوبيا والسودان ومعتنقي الديانة اليهودية في كرد ستان العراق وعموم الشرق وافريقيا وأميركا اللاتينية وايضاً انضم اليهم يهود الدونما الذين امروا باعتناق الديانات الأخرى من الإسلامية والمسيحية وبقي جوهرهم يهودياً فاليهودي من ولدته يهودية أياً كانت ديانة اباه وفي المنظومة الدينية العميقة انه ينادي في اليوم القيامة بحسب العرف الديني باسم امه، ومع هذا وذاك ما هو السر الذي يتمتعون به ولماذا لا يتكاثرون وما هي القدرة التي امتلكوها كي يُسكنون الرعب في العقل البشري بكليته؟ ولماذا الخوف من اليهودي وعلى اليهودي؛ تحميهم الدول بكل قواها خوفاً من ماذا؟ أينما وجدوا يجيدون إدارة المال والعلم والجنس والإعلام والمكر والخداع، تفكروا في هذا واسمحوا لي أن أدخل مباشرة إلى الأسئلة الكبرى التي تسود ليس فقط العقل الاجتماعي العربي والسياسي العامل على محاور السياسات القطرية والدولية، هذه الأسئلة التي تتجلى في الأشكال التالية:

أولاً: لماذا الرعب الهائل من الشخصية اليهودية الأسباب التاريخية ومساراتها حتى اللحظة، ليس لدينا نحن العرب فقط وإنما في العالم بأسره وعلاقتها بالسامية وأن من يعاديها “لا سامي” وتطبق عليه عقوبات أقلها النبذ الاجتماعي، فهل هناك سامية وحامية، أم أنها أساطير الأولين من إبداع الصهيونية اليهودية التي تتناقض رواياتها مع المنظومات المقدسة مسيحية كانت أم إسلامية، ناهيكم عن التناقض التحليلي لهذه الحالات من خلال مفكري العالم والذي نجد بينهم شروخاً عميقة في التحليل.

ثانياً: مدى ارتباط هذه الشخصية بالصهيونية، وهل الصهيونية جوهر الشخصية اليهودية أم أنها عقيدة فكرية مضافة إلى العقل اليهودي، وبالتالي أصبحت عقلية مضافة إلى العقل العالمي المسيحي والإسلامي بشكل خاص وأخذت تغزو العقل البوذي والهندوسي، وهذا ما يدل على انتشارها بإرادة أن يغدو العالم متصهيناً.

ثالثاً: هل الصهيونية ولدت مع التلمود الأورشليمي “أور سالم” مدينة السلام “القدس” بعد تدمير الهيكل الأول أم في سراديب بابل ومع كتابة التلمود البابلي الذي أنجز في حقبة السبي الأسطورية لنبوخذ نصر الذي دمر الهيكل الثاني، أم أنها رافقت برتوكولات حكماء صهيون التي اتخذت قرارات بناء السرية وإخفاء أسرار حركة اليهود الصهيونية بغاية تكييفها مع المستجدات الزمنية بحيث تتحرك حسب ما تقضيه مصالح اليهودية الصهيونية العالمية، وبغاية وصولهم لتملك العالم والتربع على عرشه، وهذا حصل إلى حد كبير، حيث أعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بأنه صهيوني النشأة والفكر والحركة وسواد قادة عالم الغرب إما أنهم حضروا من الديانة اليهودية أو أنهم اعتنقوا فلسفة الفكر الصهيوني.

وبنيت هذا من مقولة: “أن ليس بالضرورة أن كل صهيوني يهودي ولكن بالضرورة كل يهودي صهيوني” هذا يقودنا إلى البحث بين العبرانيين واليهود والصهاينة والصهيونية تعني الحصن بالعبرية نسبت إلى جبل صهيون الذي بنيت عليه مدينة القدس التي يعتبرونها في التوراة عاصمة الملك داؤود الملكية.

رابعاً: لو أن اليهود لم يختاروا فلسطين وطناً نتاج عروض ما قبل وعد بلفور 1917 لهم هل كان هناك عداء بينهم وبين العرب المسلمين، أم أنه بسبب هذا العداء الذي جسد الاعتداء على الأرض الفلسطينية وإنسانها كان سبب كل ذلك، وأيضاً ما هي مصلحة الغرب العميقة في حماية هذه المنظومة البشرية التي حملت مسمى اليهود “إسرائيل” والصهيونية التي اعتنقها قادة الغرب ودعموا بكامل قواهم قيامة هذه الدولة وحمياتها، هل من أجل إبقاء العرب والمسلمين قاطبة في حالة تخلف بحكم ما تمتلكه جغرافيتهم من مواد أولية وفكر خلاق لبناء هذه الأمة، فإذا استفاقت هذه الشعوب وأعطيت حريتها الحقيقية لكانت في مصاف الأمم إبداعاً وقوة بحث عميق يحتاج إلى دراسات

جميع الحضارات التاريخية حاربت الفكر اليهودي (الإغريقية اليونانية والرومانية والفرس والحضارة المسيحية والإسلامية) لماذا؟ سؤال أضعه برسمكم وغايتي أن تنطلقوا بعد هذا الحوار القائم فيما بيننا إلى البحث والتقصي

وهنا أقول أن البحث لا يعني العناوين وإنما الغوص فيما تحت العناوين، فمهما كان السباح ماهراً فهذا لا يعني أنه غواص، والذي يبحث يعني أن عليه أن يغوص، وكلما دخل إلى الأعماق اكتشف أكثر واقترب من الحقيقة، لا يكفي أن نقرأ العنوان أو الفهرس، فقراءة الكتاب من الجلدة إلى الجلدة تعني أنك وصلت إلى المعنى أو إلى ما يهدف إليه الكاتب.

فما هي العبرانية التي تجسدت في شخصية ( أبرام أبرهام إبراهيم) المولود في أور سومر 1900ق.م تقريباً بحسب المتفق عليه، وهو مؤسس أفكار الديانة التوحيدية التي انقسمت إلى مثلث اليهودية والمسيحية والإسلامية، فالإبراهيمية ليست ديناً إنما أفكار هامة طرحها أبرام في زمن الملك النمرود ابن كنعان مستنداً إلى وحدانية الإله بعد أن كان هناك تعدد هائل للآلهة والتي كان سوادها أنثى “نانا” و “لونا”، ولذلك نقول الديانات التوحيدية والتحول إلى الذكورية أو إلى الغيبية، ومن أور قام برحلاته المكوكية إلى الأناضول ثم إلى دمشق والقدس وطيبة مصر عاصمة الفراعنة في ذاك الوقت، ثم إلى مكة والعودة إلى طيبة مصر ثم إلى القدس، والعبرانيون هم من  عبروا الصحراء والأنهار بغاية الوصول إلى الكلأ والخضرة والماء أي الفرات والنيل هذا التجول بنى في الفكر الصهيوني الذي غرس في العقل اليهودي الحلم بدولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل وعلى ما اسمي بالوعد الإلهي لابرام إبراهام إبراهيم بان كل ارض نظرتها عيناك ووطأتها قدماك هي ملك لك هل يعقل هذا وهل يعقل أن يعد الاله شعباً بحد ذاته دون الشعوب الأخرى وايضاً يفضلهم على كافة شعوب الأرض من خلال ” يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ” وايضاً ان الله خلق اليهود من جوهره وخلق باقي البشر من نطفة حمار كيف هذا يكون.

ما أتحدث به مزيج من فكر وتاريخ، بحثت في العديد من المصادر المختلفة ووصلت كما وصل من سبقني في البحث في التاريخ وأضفت عليه، فالتاريخ يكتبه الأقوياء ويكتبه الضعفاء، كما يكتبه المنتصرون ويكتبه المنهزمون، ويكتبه العلماء ويشوهه المندسون، والغاية دائماً تشويه الحقيقة وتفريق سبل الوصول إليها.

إذاً العبرانيون هم العابرون ولا علاقة لهم باليهود ولا باليهودية ولا بالصهيونية، وعندما نذهب إلى سلالة يعقوب “ياكوف” وهو ابن إسحاق ابن إبراهيم نجده ملكاً ونبياً على مملكة يهوذا والديانات الثلاث أطلقت على إبراهيم اسم إسرائيل ومعناها في العبرية “صارع إيل الرب أو الإله” طبيعة المعثورات الأثرية أدت ببعض المؤرخين والأثريين، ومن أبرزهم البروفيسور إسرائيل فينكلستاين من جامعة تل أبيب والمؤرخ نيل آشر سيلبرمان من بوسطون، إلى فكرة أن توحيد مملكتي إسرائيل ويهوذا لا يعدو كونه اختراعاً لكتبة التناخ، يهودي الأصل، بدوافع أيديولوجية، وأن وصف المملكة الموحدة في الكتاب المقدس مبالغ فيه لصالح الدعاية الدينية والسياسية. حسب هذه النظرية، أراد أدباء مملكة يهوذا، التي بقيت بعد خراب مملكة إسرائيل الشمالية، الافتخار بالملوك من الأصل الجنوبي (اليهودي) فوصفوهم كقادة ضموا لنفوذهم مملكة إسرائيل وأنهم دلوا بني إسرائيل إلى طريقة العبادة الصحيحة.

ويقول الأثري والثيولوجي توماس طوبسون من جامعة كوبنهاغن عن تاريخ منطقة فلسطين في القرن ال10 ق.م: «إن كتاب العهد القديم يقدم لنا تاريخاً لا يمكن الوثوق به، وما صرنا الآن نعرفه عن تاريخ سوريا الجنوبية، وما نستطيع إعادة بنائه اعتماداً على الشواهد الأثرية، يعطينا صورة مختلفة تماماً عن الصورة التي تقدمها الروايات التوراتية». وبالمثل يشير إريك كلين: «إن كثيراً مما ورد في التوراة حول القدس يثير انقساماً في الوقت المعاصر». حتى إن الملك سليمان يعتقد أنه عاش في الفترة ما بين 990 ق. م حتى 931 ق. م وتوفى عن عمر 52 واشتهر وفق العقيدة اليهودية بحكمته وثرائه وملكه الكبير وعدد من الذنوب التي بموجبها عاقب يهوه بني إسرائيل بتقسيم مملكتهم.

داؤود: ثاني ملك على مملكة إسرائيل الموحدة (1011 ق. م. – 971 ق. م.) وأحد أنبياء بني إسرائيل بحسب الدين الإسلامي، إلا أنه في المعتقد اليهودي يعتبر ملكاً وليس نبيًاً جاء بعد إش-بوشيت (أو إشباعل)، الابن الرابع للملك شاول.

يعقوب :الولادة 1751 ق.م في بلاد كنعان، الوفاة        1604 ق.م مصر

يَعْقُوب بْنُ إِسْحَاق أو إِسْرَائيْل بنُ إسْحاق وفقًا للمعتقد الإسلامي هو نبي من أنبياء اللّه، يُذكر نسبه في القرآن أنه ابن إسحاق بن إبراهيم ويُذكر أن ولادته كانت بُشارة لنبي الله إبراهيم عندما جاءت الملائكة عند إبراهيم وبشروه بإسحاق ومن ورائه يعقوب، ويُلقب يعقوب تحت مُسمى «إسرائيل» ويُسمى أبناؤه بني إسرائيل

موسى: ولد كما ورد في القصص الواردة والمتفق عليها على ضفاف النيل مجهول النسب في مصر الفرعونية وتربى في أحضان الفرعون إلى أن سيطر على المملكة الفرعونية، وبما أن الآلهة في الشرق كان يطلق عليها “إيل” هذا المسمى الذي ولد في عصور بناء الفكر الديني، ومع زردشت وفي كتابه “الافيستا” نجد إسرافيل وعزرائيل وميكائيل وجبرائيل والتي تعني المسرفون عند إيل والمعزرون عند إيل ميزان إيل وجبر إيل أي جبر الإله للمجتهدين، إذاً موسى الذي وصل إلى مرتبة الإله الفرعوني بديانته الجديدة التي رفضها الفكر الفرعوني، وكانت من خلال هذا الرفض أسفار الخروج الأول إلى كريت اليونانية والثاني إلى مدائن صالح والثالث وهو الذي به تم نسج سفر التيه في صحراء سيناء والدخول من الجنوب إلى فلسطين، وفي هذا السفر أطلق اسم اليهود ولم يكن هناك تسمية لهم سوى شعب موسى، ويهود تعني يعود يتوب يرجع وتمسكوا بهذه الكلمة الأخيرة (يرجع) واعتبروها يرجع إلى أرضه التاريخية من خلال لعبة التاريخ في تدوين نسب موسى إلى يعقوب “إسرائيل”

على صعيد حصر الأحداث الموسوية في حقبة زمنية معينة، فإنّ الربانيين اليهود قد حددوا الفترة ما بين 1391 – 1271 قبل الميلاد فترةً للنشاط الموسوي، بعض المراجع الأخرى المسيحية واليهودية تفترض تاريخاً أحدث أو أقدم لما اقترحه الربانيون؛ فتعيده للقرن الخامس عشر أو تقربه للقرن الحادي عشر قبل الميلاد

أذكر هذه الأرقام كي تعلموا مساحة التلاعب في التأريخ التاريخي، وكي يتم إنجاز التعمية والضياع الفكري، ذكرت كل هذا عائداً إلى السؤال: لماذا يهاب العالم، بما فيه عالم الغرب، الصهيونية واليهودية؟ هل لأن معظم إبداعات العلم أنجزها يهود وامتلكوا السيطرة بذلك على المال والفكر والسلاح وأخذوا يديرونه كما يشاؤون، وأيضاً إنشؤوا اللوبيات الصهيونية ومؤتمراتها، ومن خلالها تم تنسيب معظم قادة العالم إليها طارحين شعار (إن لم تكن معنا فنحن ضدك) وكل من يخالفهم يحدثون الخلل في نظمه وقيادته لبلدانه. دققوا أن كل منجزات الصهيونية اليوم تتجلى في الليبرالية القديمة والحديثة والعولمة؛ هذه التي تسعى إلى فرط عقد الإيمان بالإنسان وضرب أخلاقه وبناه الاجتماعية، في النتيجة نجد أن كل هذا يصب في مصلحة الفكر الصهيوني.

كيف بنا ننتبه من كل هذا؟ أقول: التحصين بالاتجاه العلمي والتمسك بالأخلاق والقيم السامية والاتجاه إلى البحث، أعرف عدوك بأن تدرسه وتدرس خفايا فكره وتستنتج ما يمتلكه من قوى وتجتهد لتتفوق بعلمك ومعرفتك وبحثك، هذه التي تولد لك القوة الموازية وأكثر من ذلك المتفوقة.

اختم بسؤال من يحكم العالم الصهيونية اليهودية أم الصهيونية المسيحية الإسلامية أم قوة المال والسلاح حيث اللا اخلاق تجسد المعنى الحقيقي للبشرية التي افصلها عن الإنسانية تفكروا في هذا وذاك وهنا ادع كل ما تقدم برسم تحليلاتكم.

د. نبيل طعمة

مجلة الأزمنة