جملة من الصعوبات والمشكلات تشكل بمجموعها عائقاً يحول دون انتقال الاستثمارات في قطاع الأعمال من الشكل الفردي والعائلي إلى شركات مساهمة مغفلة عامة، وقد تجدد الحديث أكثر من مرة حول هذا الموضوع ووضعت على طاولة النقاش، وكان آخرها اجتماع اللجنة الاقتصادية الذي ترأسه الدكتور محمد الجلالي رئيس مجلس الوزراء لبحث واقع الشركات المساهمة والصعوبات التي تعترض مسار إحداثها وتشغيلها.
وتقرر بالاجتماع تشكيل لجنة مختصة من ماليين، وقانونيين، ومعنيين بالأسواق المالية وإدارة الاستثمار والتمويل، بهدف تقديم دراسة مفصلة حول سبل تعزيز إحداث هذا النوع من الشركات في الاقتصاد الوطني في ضوء ما جرى مناقشته خلال الاجتماع.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الشركات المساهمة تعتبر مطرحاً مهماً لاستثمار مدخرات الأفراد خاصة الشركات المدرجة في الأسواق المالية (البورصات) عموماً، حيث يمكن توظيف أموال الأفراد في شراء وبيع الأسهم في البورصة والحصول على عائدات مادية تساهم في رفد الإنفاق وتمكين الأسر من تأمين مستلزمات الصحة والتعليم والحياة المعيشية اليومية..
إلا أن الملاحظ حتى الآن محدودية الشركات المساهمة التي أدرجت أسهمها في سوق الأوراق المالية (بورصة دمشق) حيث لا يتجاوز عددها حالياً27 شركة في حين أن عدد الشركات المساهمة حالياً يصل إلى 124 شركة مساهمة مسجلة في غرفة تجارة دمشق حالياً، ونلاحظ أيضاً أن شركات المصارف والتأمين هي الأكثر حضوراً في بورصة دمشق منها (15 مصرف، و6 شركات تأمين، و2 شركة خدمات، و2 شركة اتصالات، وشركة واحدة في القطاع الزراعي وشركتان في القطاع الصناعي)، ومؤخراً تم تصفية إحدى الشركات المدرجة في بورصة دمشق وهي شركة زراعية وذلك لعدم موافقة أوضاعها مع القانون 40 لعام 2023 الذي ينص في مادته الثانية على قيام الشركات المساهمة برفع رأس مالها إلى خمسين مليار ليرة، وبحسب القانون فإن الشركة التي لا تلتزم بمواد القانون يتم حلها وتصفيتها وهذا ما حصل مع الشركة المذكورة.
إذاً وبدلاً من أن نشهد زيادة في عدد الشركات المساهمة بدأنا نلمس تراجعاً فيها لأسباب كثيرة.. ومع دخول سنوات الأزمة التي مرت بها البلاد منذ العام 2011 لم يتم تأسيس شركات مساهمة، وتراجع دورها في الاقتصاد الوطني نتيجة الظروف الناجمة عن الأزمة والحرب على سورية، ويرى البعض إن عودة إزدهار هذه الشركات ودورها يتطلب تحقيق الاستقرار وتحسين بيئة الاستثمار والتي تحتاج أولاً إلى ضرورة تحديد هوية الاقتصاد الوطني.
وهناك نقاط تمت الإشارة إليها تعتبر من الأسباب التي حالت دون زيادة عدد الشركات المساهمة إحداثاً أو تحولاً وأهمها أنها ستفتقد عامل المنافسة مع باقي الشركات غير المساهمة، فهذه الأخيرة لا يترتب عليها الكثير من الالتزامات ومنها الإفصاح والشفافية والحوكمة، وبالتالي فإن الشركات المساهمة الملزمة بهذه الإجراءات ستكون أمام باب جديد سيرفع من تكاليف التشغيل لديها وبالتالي يضعف موقفها التنافسي في السوق المحلي والخارجي، ما يعني أن الشركات المساهمة المغفلة تفتقر إلى التكافؤ التنافسي مقابل منافسيها من الشركات من باقي الأشكال القانونية (عائلية، محدودة، خاصة)،
كذلك هناك نقطة الالتزام بتسجيل العمال والموظفين في التأمينات الاجتماعية للشركات المساهمة في حين أن باقي الشركات تتهرب من تسجيل عمالها وبالتالي تخفف من نفقات التشغيل وكل هذا يؤثر.
وهنا لا بد من معالجة هذا من خلال تحقيق العدالة الضريبية بين الشركات بمختلف أنواعها من خلال مراعاة أوضاعها بحيث لا يكون ازدواجية ضريبية تتحمل ثقلها الشركات المساهمة في حين أن باقي الشركات (المغلقة، محدودة المسؤولية، الأفراد) تدفع نسب أقل من الضرائب نظراً لعدم الزامها بالشفافية والإفصاح وغيرها من الخطوات الضرورية التي يجب أن تلتزم بها الشركات المساهمة.
يضاف إلى ذلك ما يتعلق بالتعامل بعمليات سحب الأموال من المصارف والتعليمات التي تؤثر على مرونة التعامل بهذا الجانب للشركات والتي يتطلب عملها في البيع والشراء مبالغ كبيرة.
ويأتي سعي الحكومة اليوم للبحث في الأسباب التي تحول دون إحداث شركات مساهمة والتحول من الشركات العائلية وشركات الأفراد إلى شركات مساهمة وما هي السبل للدفع باتجاه تعزيز وجودها في الاقتصاد السوري على اعتبار أنها تشكل رافداً مهماً للتشغيل والاستثمار وزيادة الإنتاج وتعزيز بيئة الاقتصاد الوطني.