كرة القدم جزء من منظومة رياضة كبيرة واسعة الانتشار، وهي أكثر الألعاب دعماً ورعاية لكونها اللعبة الشعبية الأولى التي تستولي على قلوب كل المحبين والمتابعين، ولا شك أنها تستولي على قلوب الرعاة والداعمين الذين يبذلون الغالي والرخيص من أجل هذه الكرة.
والحقيقة أن كرة القدم باتت مصدر رزق حقيقياً وربما كان وحيداً لمجموعة من اللاعبين والمدربين، وأيضاً الإداريين والحكام ومن في حكمهم من معالجين ومنسقين إلى بقية الاختصاصات المتنوعة.
لكن الرؤية العامة لكرة القدم في أنديتنا ما زالت قاصرة، مع غياب التخطيط والبرمجة، وغياب الاستراتيجية العامة، وكل ذلك يعود إلى سوء الإدارة وفقر الإمكانات الذي أدى لفقر كروي عام على كل الصعد والمستويات.
والفكرة العامة أن أنديتنا لم تحدد أهدافها من كرة القدم وهذا أمر في غاية الخطورة، لأن تحديد الهدف هو الذي يرسم معالم الطريق الكروي وهو الذي يضع النادي على الطريق الصحيح.
ودوماً الأسس الصحيحة تؤدي إلى النهايات الجيدة التي يترقبها الجميع وخصوصاً أبناء الأندية ومحبيها.
وفي كل موسم نجد أن أكثر من نصف الأندية تقدم نفسها على أنها ستكون منافسة على اللقب وتضع نصب أعينها هذا الهدف.
وهنا الطامة الكبرى، لأن تحقيق أي هدف يجب أن يستند إلى مقومات وآليات وعوامل وشروط قادرة على تحقيق ما نصرح به.
والمشكلة التي يعاني منها أغلب إدارات أنديتنا أنها لا تملك النضوج الفكري الكروي، فيغيب عنها التخطيط السليم، وبالتالي فإن البعض يظن أنه بمجرد تعاقده مع عدد من اللاعبين المهمين على مستوى الدوري يعني سيطرته على الدوري وربما حسب نفسه من أهل الصفوة المختارة في عالم كرة القدم.
وأمام هذا الفكر المتخبط لم يستطع أحد الاستفادة من كرة القدم على سبيل العمل (كمصدر رزق) أو على سبيل المستوى (حالة فنية) إلا القليل جداً من اللاعبين والمدربين لأن أسس العمل الصحيح تفتقدها كرتنا على كل الصعد، ولهذا السبب نجد أن القلة القليلة من لاعبينا يحترفون في أندية معقولة، وأغلبهم يلهث نحو أندية مغمورة في الدرجة الثانية سواء في العراق أم الأردن ولبنان وبعض دول الخليج ومثلهم بعض المدربين، والسبب في ذلك، أن أنديتنا لم تقدم نفسها على الصعيد الخارجي بشكل جيد إضافة إلى أن مستوى الدوري في هبوط، وكذلك كرتنا على صعيد المنتخبات في تراجع.
والدليل على ما نقول هو أن أغلب لاعبينا هذا الموسم في الانتقالات الصيفية لم تجد مكاناً مرموقاً حتى في أندية الصف الثاني أوالثالث العربية، وأغلب التعاقدات على قلتها ذهبت نحو أندية الدرجة الثانية في العراق (أغلب اللاعبين) وأغلب هذه الأندية مغمورة أو في لبنان والأردن، والمحظوظ من وجد له مكاناً في الدرجة الثانية سواء في الكويت أو البحرين أو عمان.
وبالمقابل نجد أن العائدين من هذه الدوريات كثر، ولو أنهم وجدوا العقود لما انصرفوا نحو الدوري المحلي، والمشكلة أن هؤلاء يعدون من خيرة لاعبينا على صعيد المستوى وهم أعضاء في المنتخبات الوطنية، وهذا يدل على تراجع مخيف في مستوى كرتنا على صعيد اللاعبين وهو أمر ينذر بالخطورة ويقرع جرس الإنذار المبكر قبل أن تصل كرتنا إلى القاع، فاليوم نعيش تدهوراً غير مسبوق على كل المستويات.
ومن يتابع باهتمام التنقلات التي تجري في الميركاتو الصيفي في منطقة غرب آسيا يجد أن اللاعب السوري بات غير مرغوب فيه كثيراً ومثله (للأسف) مثل اللاعب اليمني الذي لا يجد له مكاناً إلا مع الأندية المغمورة في الدرجات الدنيا في دوريات هذه المنطقة.
والمدربون أيضاً في وضع مماثل وقلما نجد مدرباً سورياً في ناد له أهميته باستثناء قلة من المدربين الذين يقيمون في الخارج منذ سنوات وقد أسسوا علاقات عامة قوية في البلاد التي يقيمون فيها.
وهذا الأمر برمته يعود إلى ضعف التسويق وإلى ضعف المستوى العام لكرتنا إضافة (للسماسرة) الذين باتوا يتحكمون بسوق اللاعبين وأسعارهم، ولو كان عندنا مسوقون جيدون لما وصلنا إلى هذه الحال وهذا من نتاج الاحتراف الضعيف الذي تتبناه كرتنا وأنديتنا.
ولو دخلنا في العمق ايضاً لوجدنا أن التحكيم الكروي السوري غير مرغوب فيه لضعف العملية التحكيمية ولضعف تسويق حكامنا في الخارج.
وهذا كله بالمحصلة العامة يعود إلى ضعف كرتنا من كل النواحي، وربما الأزمة التي مرت علينا طحنت كرتنا، لكن للأسف لم نجد حتى الآن السبل التي نخرج بها من تداعيات الأزمة.
المتابع لكل صفقات الدوري الكروي للموسم الجديد يجد أن عواجيز كرة القدم سيطروا على المشهد الكروي، وهو ما يدل على أن كرتنا تعاني من فقر باللاعبين وعجز بعددهم، وإذا علمنا أن العمر الافتراضي للاعب كرة القدم في المشرق العربي هو ثلاثون سنة فسندرك حقيقة هذا الفقر والعجز، وكم هو مؤسف أن نجد نادياً كبيراً تعاقد مع لاعب بلغ الأربعين والمفترض أن يكون موقعه في العمل الفني أو الإداري، وسبب ذلك يعود إلى أن أنديتنا لا تحب المغامرة باللاعبين الصاعدين وتود دائماً أن تحتفظ بلاعبي الخبرة، لذلك نجد أن أغلب الأندية تمتلك لاعبي الخبرة في صفها الأول بينما لم تجد من في مثلهم ليكونوا في الصف الاحتياطي فاضطرت مكرهة للاستعانة بأبناء الجيل الجديد ليسدوا الثغرات ولتكتمل بهم الكشوف.
ووجدنا أن الأندية على ثلاثة مستويات، المستوى الأول من وجد لديه المال، قام بسحب اللاعبين المبرزين من أجل البحث عن بطولة معلبة مسبقة الصنع من دون النظر إلى التبعات السلبية لذلك في المستقبل.
والمستوى الثاني أسس فريقه حسب إمكاناته وبمن رضي به من لاعبين من أبناء النادي أو من خارجه.
أما المستوى الثالث فهو النادي الذي بات يعتمد على أبنائه وشبابه بغض النظر عن المحتوى، وبعيداً عن تحديات المنافسة، وقد يكون هذا الطريق هو الصحيح والمفترض أن يتبعه.
فرق المستوى الأول قد يكون طريقها ناجحاً إن ترافق مع العناية بالقواعد والمواهب الشابة ما قد يصل بالنادي بعد فترة إلى الاكتفاء الذاتي بالاعتماد على أبنائه وهذا ما نجده اليوم في فريق الوحدة الذي يملك قواعد جيدة ومثله تشرين والكرامة، وإن كانت هذه الفرق ما زالت تعتمد على لاعبين من خارج صفوفها في الوقت الحالي، فإن الخطورة تكمن في الفكر الذي يقود كرة الفتوة، النادي للموسم الثاني على التوالي قادر على شراء فريق بأكمله، أساسيين واحتياطاً، ولا نجد في صفوفه إلا عدداً قليلاً جداً من أبنائه (ثلاثة أو أربعة) بين صفوف الاحتياط، والخطورة تكمن في أمور متعددة، أولها: إن النادي يعتمد في موارده المالية على مجموعة داعمين فإذا ذهب الداعمون ذهب النادي!
ولن يجد من يخلفهم في النادي أي لاعب لأنهم بغياب المال سيرحلون مع الداعمين.
ثانيها: صحيح أن المال هو عصب كرة القدم، لكن وجود المال من دون آليات عمل حقيقية يجعل المال وبالاً على النادي وليس نعمة، والمفترض أن يتم العمل على دعم قطاع الشباب والناشئين كي يستعيد نادي الفتوة أبناءه وخصوصاً أن مدينة دير الزور تزخر بالمواهب والخامات والتاريخ يحدثنا بطلاقة عن ذلك.
ثالثها: إيلاء أبناء النادي من كوادر فنية وإدارية الدعم الكامل والاهتمام واليوم (للأسف) نجد أن أغلب كوادر النادي خارجه ينتقلون من ناد إلى آخر، ودوماً من خلال هذا التأكيد فإن النجاح يرتبط بالهوية، فكلما تخلى النادي عن هويته فقد كل بريق ونجاح، وما يتحقق الآن من نجاح هو آني ومؤقت ولا يدل على الديمومة.
وإضافة إلى الفتوة نرى حطين يسير على خطوات الفتوة بعد أن توفر له الداعم هذا الموسم، وهذا من الأخطاء، وكنا نتمنى أن يعتبر النادي من المواسم السابقة، فالموسم الماضي نجا من الهبوط في المتر الأخير من الدوري، والموسم قبل الماضي نجا أيضاً بفارق نقطة واحدة.
والسبب في تواضع الفريق في هذين الموسمين عدم وجود المال، وعدم وجود اللاعب البديل من أبناء النادي، لذلك فإن الخطوة الصحيحة المفترض أن تقوم بها إدارة النادي هي حسن إدارتها للمال وتوظيفه بالمكان الصحيح ومنح القواعد جزءاً يسيراً من هذا المال، ليستعيد الفريق هويته، ولا ينقص أحد أن نذكره أن حطين مملوء بالمواهب ولا يحتاج إلى كل هذه العقود، بل يحتاج إلى دعم أبنائه.
أما المستوى الثاني فيعيشه أغلب أنديتنا، وهي تمضي موسمها ضمن الإمكانيات المتاحة، وليس لديها القدرة على التفكير والتخطيط لموسم آخر.
أما المستوى الثالث فهو النهج الذي اتبعه نادي أهلي حلب بالاعتماد على أغلب لاعبيه مخضرمين وشباباً ولم يتعاقد هذا الموسم إلا مع لاعبين اثنين من خارج النادي هما (مؤنس أبو عمشة وأحمد حمو) وهذا النهج هو الصحيح لأن البناء أفضل من البحث عن بطولات مزيفة وإن استمر النادي بهذه السياسة فسيكون له شأن كبير في مستقبل الكرة السورية.
خارج الدوري الممتاز نجد قلة من الأندية فهمت كرة القدم على أصولها، فلم تقع في مستنقع الاحتراف الأعمى، وعملت على بناء قواعدها بشكل صحيح وعلمي ومنها نادي المحافظة الذي نأى بنفسه عن الدخول بالدرجة الممتازة قبل أن يصبح قادراً على خوض منافساتها من أبنائه وحصيلة عمله، وبدأنا اليوم نرى نتاجه من اللاعبين المطلوبين في الأندية المحلية والخارجية ونذكر منهم مالك جنعير وقيس الحسن.
ونتمنى من بقية الأندية (مع احتفاظها بحقها بدخول الدرجة الممتازة) أن تسعى سعي المحافظة في عملية البناء الكروي أكثر من سعيها للدخول في الدوري الممتاز على غير هدى ودون تخطيط سليم وتأمين مستلزمات هذا الدوري ويمكننا الإشارة بهذا إلى أندية الشرطة والمجد والنواعير واليقظة وغيرها.
أخيراً نشير إلى فكرة الدوري الأولمبي فهي قد تكون خيراً على الأندية لأنها تجبرها على استقطاب لاعبيها الشباب، لكن الأجمل أن تهتم الأندية بهذا الدوري وأن تولي هذه الفئة من اللاعبين اهتماماً يوازي اهتمامها بفرق الكبار.
المصدر: الوطن