تصدر موضوع ضبط الأسعار ، حزمة أخبار ، اجتماع مجلس الوزراء مؤخرا ، استجابة لشغف ملايين السوريين الى ضرورة التوصل الى حل حاسم لموضوع يؤرقهم ، وينغص عليهم حياتهم .
يصبر الناس على غلاءغير مسبوق ، عرفته سورية منذ عدة أشهر ، (مع امتناع المصارف اللبنانية عن السماح للسوريين سحب مدخراتهم بالدولار من تلك المصارف( وتقدر بأربعين مليار دولار ) ، بسبب الأزمة المالية الكبرى التي تعصف بلبنان ، وقد تفاقمت بعد إنفجار مرفأ بيروت ، وبسببالحصار الامريكي ودخول قانون قيصر حيّز التنفيذ ، مشددا الحصار الاقتصادي على سورية ، الصامدة .)، لكن التفاقم اليومي لهذا الغلاء عبر تصرفات صبيانية، لباعة يهتدون بالسعر الأسود للدولار ، خلافا لأصول الاداء الاقتصادي والتجاري ،في اغلب دول العالم ، ينغص عليهم حياتهم بحدة ،ويحدث شرخا عميقابين من يعنيهم هذا الغلاءالفاحش المتفاقم وبين شريحة التجار الكبار والصغار والباعة واصحاب المهن والحرف المتنوعة ، الذين لا يكتفون بأرباح واجور ، تتيح لهم ربحا معقولا ، بل يتمادون في جني أرباح والحصول على اجور ، لا يجيزها عرف بشري ولا قانون أو ضمير او اخلاق ، تنأى بالحياة البشرية عن ان تكون غابة .
والمتابع لسيرة -الأسعار- في سورية في زمن الحرب ، يسجل في هذا السياق ، قولا شهيرا لمعاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك منذ عدة سنوات مفاده :لانستطيع خفض الأسعار بل ضبطها وهذا دور وزارتنا.
وفِي وقت لاحق رفع مجلس الوزراء شعار خفض الأسعار عبر الانتاج الزراعي والصناعي الوفير ، كبديل عن زيادة الرواتب وطلب مهلة عامين ، لكنه بعد ثلاثة سنوات ، فشل في تحقيق هذا الهدف بسبب الحرب الشرسة ، العسكرية والاقتصادية والمالية والإعلامية على سورية ، وصدرت مراسيم بزيادة الرواتب والاجور في ٢١ -١١-٢٠١٩تراوحت مابين ٢٥./. إلى ١٠٠./. وجرى رفع الحد الأدنى للاجور بموجبها إلى ٤٧٦٧٥ ليرة وكان قبل تلك الزيادة ١٦ الف ليرة سورية، وفِي ٢١-١٠-٢٠٢٠ صدرت مراسيم تشريعية أعطت منحة ٥٠الف ليرةللعاملين و٤٠ الف ليرة للمتقاعدين لمرة واحدة ، وبات الحد الدنى المعفى من ضريبة الدخل ٥٠ الف ليرة بدلا من ١٥ الف ليرة ، وهذا الإجراء هو عمليا زيادة في الأجر ، ما يؤكد ان المسار استقر على السعي إلى المواءمة مابين الاجور والأسعار ( ولو نسبيا ) ، وهو طموح قديم جدا ، يمكن ان يتحقق بضبط الأسعار .
ما من شك ان سعي مجلس الوزراء مؤخرا الى إحياء موضوع ضبط الأسعار ، هو سعي نبيل ووطني وانساني ، ولعله يغتني ، بزيادة عدد مراقبي التموين .
ونرى ان ضبط الأسعار ، لا يقتصر على الرقابة (وهي صعبة ومضنية وسط بحر من الباعة)، إذ لابد من الاستعانة ، بالحل الاقتصادي المعبر عنه بالسوق الحكومية الموازية التي تلتزم بالاسعار الرسمية، القانونية المدروسة بدقة )، لكننا لا نتجاهل ان هذا الحل قد تعرض للتفشيل المرعب ، اذ ظلت صالات السوريةللتجارة تبيع سلعا إما مستوردة على يد التجاروتباع في الاسواق الشعبية بسعر أرخص أو انهاصناعة خاصة ، تباع بالسعر ذاته في البقاليات كما انها تعنتت في الإصرار على بيع الخضار والفواكه بأسعار مضاعفةبالمقارنة مع الأسواق الشعبية بحجة انها تتسوق سلعا من النخب الاول .....! .
إن أي توجه جدي. نحو ضبط الأسعار في الأسواق السورية ، وهو مطلب شعبي أساسي ، يحتاج الى الجدية في النظرة الى السوق الموازية ، سوق التدخل الإيجابي للدولة،شكلاومضمونا، وإذا كنّا اشرنا للمضمون ، فإن الشكل يعني ، زيادة عدد صالات السورية للتجارة وتوسيعها إذ لا يعقل ان تواجه ١٠٥٠ صالةملايين المحال والبسطات والباعة الجوالين ، ومن المستغرب حقا ان تبقى مجرد براكات وبلا دورات مياه للعاملين فيها ، في وقت رأت النور في البلد محال خاصة كبرى ومولات وسوبر ماركات خاصة، يعادل بعضها كل صالات السورية للتجارة في حي سكني ضخم ، ويتفوق عليها كياسة وحسن استقبال .
ويبقى مهما ان هاجس ضبط الأسعار موجود لدى الحكومة ، ريثما تتوافر حلول اقتصادية لحل شامل.
عن جريدة الثورة
بقلم: ميشيل خياط