رغم الحاجة الماسة لتمتين علاقات التعاون الاقتصادي مع الدول الصديقة والحليفة، إلا أن تنفيذ المذكرات والاتفاقيات التي تتم خلال الزيارات المتبادلة، يكون بطيئاً، وفي أحيان كثيرة تبقى حبيسة الأدراج بلا تطبيق على أرض الواقع، ما يضيع الفرص للاستفادة من المناخات الإيجابية التي تتطور يوماً بعد يوم مع الكثير من الدول، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد السوري لأي متنفس بعيداً عن التربص العدواني الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام سيف العقوبات الأحادية الجانب، وبما يضمن تأمين المستلزمات المعيشية والدوائية ويوفر أسواقاً لتصريف المنتجات المحلية بلا منغصات الخوف من العقوبات.

وهذاما يمكن رد أغلبه إلى ضعف أداء الجهة الاقتصادية في مجتمع الأعمال المكلف متابعة تنفيذ وتطبيق الاتفاقيات المبرمة مع الدول التي يمثل الجانب السوري فيها، ما يضع إشارات استفهام تكررت كثيراً خلال الفترات الماضية حول الرقابة على عمل هذه الجهات ومدى فاعليتها وكيفية محاسبة المقصر منها، لأنها في النهاية تضيع فرصاً كبيرة على الاقتصاد السوري المثخن بجراح الحرب والحصار.

من أحدث الأمثلة على ما ذكرناه سابقاً ما يحصل في الغرفة التجارية السورية – الإيرانية المشتركة التي تم تغيير عدد من أعضاء مجلس إدارتها قبل أيام من دون قيام اتحاد غرف التجارة بإجراء مراجعة موضوعية ونقدية لعمل الغرفة أو عمل أعضائها، وهو الجهة المشرفة على عمل الغرفة.

مع الإشارة إلى أن سورية وإيران اتفقتا على وضع الإطار التنفيذي لمذكرة التفاهم وإقرار قيام الجهات الوصائية بتأسيس جانب لها في كل من سورية وإيران بتاريخ 20/10/2018، وبتاريخ 29/1/2019 صدّق اتحاد الغرف التجارة السورية على النظام الداخلي للغرفة، ثم صدّقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عليه بالقرار/845/ بتاريخ 4/3/2019، وتم تشكيل مجلس إدارة للغرفة مكون من 10 أعضاء سوريين (رئيس غرفة ونائب رئيس وأمين سر وخازن وستة أعضاء)، كما تم الأمر نفسه داخل إيران بتشكيل غرفة ومجلس إدارة ونظام داخلي مماثل.

ونصّ النظام الداخلي للغرفة على تأدية عملها تحت إشراف اتحاد غرف التجارة ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، كما تخضع لإشراف وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وتهدف إلى تسهيل دخول الصادرات السورية إلى إيران، وتعديل كفة الميزان التجاري بين البلدين، وطرح الفرص الاستثمارية واستقطاب الشركات ورجال الأعمال والمستثمرين للاستثمار في سورية، وإقامة معارض المنتجات السورية في إيران، وعرض الصعوبات التي تواجه العمل التجاري لإيجاد حلول لها بالتعاون مع حكومتي البلدين.

النتيجة صفر

وعلى الرغم من متانة العلاقات السياسية بين البلدين، وتقديم الدعم الرسمي لعمل الغرفة إلا أنها لم تواكب ديناميكيّة العلاقات المتسارعة ارتقاءً بين البلدين، ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب، أولها حسب مصدر من الغرفة، يتعلق بمقر عمل الغرفة الحالي المخالف للقانون، إذ ينص قانون المناطق الحرة على عدم ممارسة أي نشاط لغرف التجارة والصناعة والزراعة داخل حرمها، ومنذ سنتين وحتى اليوم لم يتم اعتماد مقر للغرفة في مدينة دمشق، واستمر نشاط الغرفة من داخل مكتب رئيسها في المنطقة الحرة بدمشق، ورغم مطالبة أعضاء مجلس الإدارة باعتماد مقر خارج المنطقة الحرة إلا أنه تم رفض ذلك، علماً أنه قبل سنتين كان لها مقر في منطقة المزة فيلات شرقية بدمشق وكادر عمل وتجهيزات مكتبية كاملة خلال عمل رئيسها السابق.

تغييرات مستمرة

الأمر الآخر، وهو الأكثر جدلاً، أنه خلال العامين الأخيرين، تم تغيير مجلس إدارة الغرفة أربع مرات، وكل مرة كان تغيير أعضاء المجلس يتم فيها من دون إجراء مراجعة نقدية وعلمية من اتحاد الغرف أو الجهات الوصائية لما نفذته الغرفة، ليتم منذ أيام قليلة استبعاد ثلاثة أعضاء فاعلين – حسب المصدر- في العمل الصناعي والتجاري في سورية، وثلاثتهم من حملة المؤهلات العلمية المميزة والمساهمين في المشروعات الاقتصادية، وذلك بعيداً عن القوانين الموضوعة في هذا الإطار، التي تنص على أن يقترح رئيس الغرفة التغيير في مجلس إدارة الغرفة، ويعرض خلال اجتماع مجلس إدارة لاتحاد غرف التجارة، ومن ثم يقوم الاتحاد بمراسلة الغرف التجارية لترشيح أعضاء مناسبين، وثم تناقش الأسماء في جلسة، ويتم التصويت من مجلس إدارة الاتحاد لاعتماد أسماء المجلس الجديد.

لا اجتماعات

وحسب المصدر العضو في مجلس إدارة الغرفة، فإنه لم يجتمع مجلس الإدارة هذه السنة ولا مرة واحدة، على الرغم من وجود نص ملزم بنظام الغرفة على عقده، ومطالبة عدد من الأعضاء بعقده إلا أنه لم يتم بسبب تعطيل عقده من جانب رئيس الغرفة، علماً أن اجتماع مجلس الإدارة هو لمناقشة خطة العمل وما تم وما يجب أن يتم في كل مجالات عمل الغرفة، ما أدى إلى غياب روح فريق العمل لدى مجلس إدارة الغرفة، التي باتت تعمل، وفقاً للمصدر، حسب رغبة عضو واحد هو رئيسها، “فما يريده يحدث، وما لا يريده لا يحدث”، إضافة إلى عدم إعلام رئيس الغرفة أعضاء مجلس الإدارة بما يتم من عمل، واستئثاره بكل العمل وحده، ويجري ذلك على الرغم من قيام كل عضو من أعضاء مجلس إدارة الغرفة الـ(10) بتسديد مساهمة الـ10% المالية في موازنة الغرفة وأي نشاط يقوم به.

لا هيئة عامة

وعلى الرغم من وجود نص في النظام الداخلي للغرفة يطالب بعقد اجتماع دوري سنوي للهيئة العامة للغرفة، بحيث يعرض مجلس الإدارة خلاصة عمله والموازنة وعمل الغرفة وخطتها على الهيئة، إلا أن هذا الاجتماع لم ينعقد سوى مرة واحدة منذ ثلاث سنوات، إضافة إلى أن أعضاء الهيئة مغيبون عما يجري، وتتوقف حدود معرفتهم على قربهم أو بعدهم عن رئيس الغرفة.

 

العضوية للأقارب فقط

ينص النظام الداخلي للغرفة على تنسيب الشركات والفعاليات الصناعية والتجارية والسياحية والزراعية والملاحية وشركات الشحن والنقل، لكن عدد المنتسبين لا يزال بعد مرور قرابة خمس سنوات على تأسيس الغرفة أقل من 100 عضو، من بينهم اعتبارات ذات صلة بما هو بعيد عن استحقاقات الاختيار، وبعض العاملين ذوي الخصوصيّة ممن لديهم سجل تجاري، والمقربون منه.

بالمقابل، وفقاً للمصدر، يتم رفض تنسيب أي عضو غير ذلك، تمهيداً للانتخابات المقبلة لمجلس إدارة الغرفة بعد مرور خمس سنوات على تأسيس أول مجلس.

 

“بهرجات إعلامية”

وحسب المصدر فإنه تم خلال السنتين الماضيتين توقيع بضع مذكرات تفاهم مع عدد من الجهات داخل سورية وإيران، إلا أنها بقيت حبراً على ورق فيما يخص جانب القطاع الخاص، ولم ينفذ منها بند واحد، إضافة إلى إعلان الغرفة عن إقامة العديد من المعارض تحت عناوين (صنع في سورية) و(معرض البيع المباشر للمنتجات السورية) وغيرها، وبعد الإعلان عن المعرض يتم تأجيله، ثم الإعلان عن إقامة أربعة معارض، لم تقم، وخلال سنتين عرضت الغرفة بضع عينات من المنتجات السورية وتم عرضها ليوم واحد.

 

بالمحصلة

إن تنمية الاقتصاد السوري، والسير بالعلاقات الاقتصادية السورية- الإيرانية على مستوى القطاع الخاص يفترضان إجراء مراجعة نقدية لعمل الغرفة وجميع الغرف، وهذا يتطلب الاعتماد على الكفاءات التجارية والصناعية والاستثمارية، وهناك العديد منها التي ترغب بأن تقدم ما عندها في سبيل بناء الاقتصاد الوطني وفق مبدأ (وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب)، وتحمل شهادات علمية عالية متخصصة، ولها باع طويل في التواصل مع الجهات الخارحية، بما يضمن الحصول على أفضل العروض، استيراداً وتصديراً.

هذا الواقع يؤكد أننا نحتاج إلى نقلة نوعية في عمل غرف التجارة المشتركة، وإبعادها بشكل كامل عن الشخصنة والمصالح الفردية، لأن استمرار هذا الواقع يضر الجميع، تجاراً وصناعيين ومواطنين.

 

المصدر: تشرين – زهير المحمد