عمليات جراحية تُجرى من دون تخدير بما فيها بتر الأطراف، وطبيب ينهار باكياً بعد وفاة طفل بين يديه من شدة الألم في إحدى هذه العمليات، حتى العلاج في غزة يتم بمزيد من الألم، جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل، وحصاره الخانق للقطاع، ومنعه إدخال المواد الطبية وفي مقدمتها مواد التخدير.

 

آلاف العمليات الجراحية أُجريت من دون تخدير في مستشفيات القطاع وخاصة في شماله، وهو ما أكدته منظمة الصحة العالمية على لسان المتحدث باسمها كريستيان ليندماير، قائلاً: “إن الجرحى في غزة يخضعون لعمليات بتر دون تخدير، لا أعرف النسبة يمكن أن تكون 10 أو 20 بالمئة من هذه العمليات، وحتى لو حدث ذلك مرة واحدة، فهو غير مقبول”، مبيناً أن هناك نقصاً في أدوية التخدير والأدوية الأخرى في غزة، كما أن المستشفيات مكتظة، ما يجعل من الصعب على آلاف الجرحى الحصول على الرعاية الطبية.

 

صندوق الأمم المتحدة للسكان كشف أيضاً أن النساء الحوامل في غزة يخضعن لعمليات قيصرية من دون تخدير ما يشكل خطراً على حياتهن، مشدداً على ضرورة وقف إطلاق النار، وضمان وصولهن إلى خدمات الأمومة السليمة.

 

منظمة “أكشن إيد” الدولية أوضحت أن الأطباء في قطاع غزة يتفانون رغم الصعوبات في دعم النساء الحوامل، ويعملون على توليدهن في مستشفى العودة الوحيد الذي يستطيع العمل في شمال غزة، بسبب خروج جميع المستشفيات الأخرى في المنطقة من الخدمة، جراء قصف الاحتلال ونفاد الوقود والمواد الطبية، مؤكدة أن المستشفيات ليست أهدافاً، ولا ينبغي أبداً أن تكون كذلك، لأن هذه الملاذات الآمنة محمية بموجب القانون الدولي الإنساني.

 

وقالت مسؤولة التواصل في المنظمة رهام جعفري: “إن آلاف النساء في غزة يخاطرن بحياتهن من أجل الولادة، ويخضعن لعمليات قيصرية وعمليات طارئة دون تعقيم أو تخدير أو مسكنات، ولا بد أن تتمتع النساء برعاية صحية جيدة والحق في الولادة في مكان آمن، ولكن بدلاً من ذلك، يتم إجبار النساء في غزة على إحضار أطفالهن إلى العالم وسط ظروف جهنمية تماماً”.

 

وأضافت جعفري: “تفتقر المستشفيات إلى الغذاء والماء والكهرباء والوقود، ويتوقف عدد متزايد منها عن العمل بشكل كامل، إلى متى سيتواصل تراكم الجثامين، وكم عدد الأطفال المستضعفين الذين سيتم فقدانهم قبل أن تنتهي هذه المعاناة؟ إن وقف إطلاق النار الفوري هو وحده الذي سيضمن دخول ما يكفي من الوقود والإمدادات الطبية إلى قطاع غزة، وإيصالها إلى المستشفيات حتى تتمكن من البدء بتقديم الرعاية المنقذة للحياة مرة أخرى”.

 

جراحون في القطاع يوضحون أن الشيء الوحيد الأسوأ من صراخ مريض يخضع لعملية جراحية دون تخدير كاف هو الرعب على وجوه أولئك الذين ينتظرون دورهم، مشيرين إلى أنهم يعالجون الجرحى والمرضى أينما استطاعوا في ممرات المستشفيات، وفي غرفها المكتظة، من دون إمدادات طبية كافية، حيث يضطرون إلى الاكتفاء بكل ما يمكنهم العثور عليه مثل الملابس للضمادات، والخل للمطهر، وإبر الخياطة بدلاً من الإبر الجراحية.

 

الطبيب في مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سمرة أشار إلى أنه قبل استيلاء قوات الاحتلال على المجمع وفي ظل وصول أعداد كبيرة جداً من المصابين في وقت واحد، لا يوجد خيار سوى علاجهم على الأرض، دون أي عقاقير لتخفيف الألم بشكل كاف من أجل إنقاذ حياتهم، موضحاً أن العمليات التي أجرتها الطواقم الطبية في المجمع شملت بتر أطراف وأصابع وخياطة جروح وعلاج حروق خطرة، وهذا الأمر مؤلم للطواقم الطبية وليس بسيطاً، لكن لا مفر فإما أن يتألم الجريح والمريض أو يفقد حياته.

 

أحد الممرضين يروي واحدة من أسوأ اللحظات التي مر بها خلال عمله في مستشفيات القطاع، حيث اضطر لخياطة جرح في رأس طفلة صغيرة من دون تخدير وهي تبكي من الألم وتصرخ ماما ماما، ويقول: غالباً ما نعطي الجريح الشاش المعقم، ليعض عليه لتخفيف الألم الذي يشعر به.. نحن نعلم أن هذا الألم أشد مما يتصور، والأمر أكثر قسوة عندما يكون الجريح طفلاً، إذ إن الألم الذي يشعر به أكبر من عمره.

 

نبيل الأسطل طبيب التخدير في مستشفى الأوروبي بخان يونس أكد أن مستشفيات جنوب القطاع تعاني أيضاً من نقص شديد في مواد التخدير الضرورية في العمليات الجراحية، وأن الطواقم الطبية تبذل قصارى جهدها لتخفيف آلام المرضى بأدوية أخرى أضعف تأثيراً لكنها غير كافية، وهذا ليس الحل الأمثل لمريض داخل غرفة العمليات لأنه يجب إجراء العملية له تحت التخدير الكامل.

 

من جانبه لفت الجراح عبد العزيز عادل الذي عمل في أكثر من مستشفى في شمال القطاع وجنوبه، إلى أن مجرد تصور إجراء عملية جراحية لشخص صاح، أمر مرعب للطبيب والمريض الذي تجرى له العملية على حد سواء، مبيناً أن العملية التي تحتاج إلى فتح الطبقات الست لجلد المريض أمر مؤلم ومرعب للطبيب، حيث يشكل ضغطاً عصبياً عليه، فلا يتمكن من إجراء عمله بالدقة المطلوبة، وخاصة مع قلة الأدوات وانعدام التعقيم.

 

وأشار عادل إلى أن الجروح والحروق من الدرجة الثانية قد تؤدي إلى حالة إغماء للمرضى من شدة الألم، فماذا يحدث إن كانت عملية معقدة في أماكن صعبة، أو لها علاقة بالكسور المعقدة في العظام، والتي قد تؤدي إلى دخول المريض في صدمة عصبية، وعدم استقرار علامات جسمه الحيوية، مثل الهبوط الحاد في الضغط الذي يؤدي إلى حالة إغماء وإعياء بسبب الألم الشديد.

 

وبين الطبيب الجراح أن المرضى الذين تعرضوا لتلك التجربة سيعانون أعراضاً نفسية شديدة تضاف إلى معاناتهم الناجمة عن الإصابة، وكذلك من تضرر عنده عضو مهم جداً مثل الكبد أو الطحال، قد يصاب بنزيف حاد يضطر الأطباء لاستئصاله بدون الأساليب العلمية المعروفة عالمياً، وأهمها التخدير وتعقيم المعدات المستخدمة بشكل دائم ودقيق.

 

الألم الذي يعيشه أهالي قطاع غزة لا يقتصر على فقدان أحبائهم أو منازلهم أو تعرضهم للإصابة جراء العدوان، فهو يزداد حدة من لحظة الإصابة مروراً بالوصول إليهم، وإخراجهم من تحت الأنقاض ونقلهم إلى المستشفيات، انتهاء بالعمليات الجراحية من دون تخدير والتي كلفت الكثيرين حياتهم، وما يضاعف هذا الألم المستمر اكتفاء المجتمع الدولي بالمشاهدة، وسماع صراخ الأطفال وأنين الجرحى والمرضى، دون أن يتحرك لوقف فظائع الاحتلال الإسرائيلي ومحاسبته.